2008-01-21

سميح القاسم رسالة من المعتقل


ليس لديّ ورقٌ، و لا قلمْ
لكنني.. من شدّة الحرّ، و من مرارة الألم
يا أصدقائي.. لم أنمْ
فقلت: ماذا لو تسامرتُ مع الأشعار
و زارني من كوّةِ الزنزانةِ السوداء
لا تستخفّوا.. زارني وطواط
وراح، في نشاط
يُقبّل الجدران في زنزانتي السوداء
و قلتْ: يا الجريء في الزُوّار
حدّث !.. أما لديك عن عالمنا أخبار ؟..؟!
فإنني يا سيدي، من مدّةٍ
لم أقرأ الصحف هنا.. لم أسمع الأخبار
حدث عن الدنيا، عن الأهل، عن الأحباب
لكنه بلا جواب !
صفّق بالأجنحة السوداء عبر كُوّتي.. و طار!
و صحت: يا الغريب في الزوّار
مهلاً ! ألا تحمل أنبائي إلى الأصحاب ؟..
***
من شدة الحرّ، من البقّ، من الألم
يا أصدقائي.. لم أنم
و الحارس المسكين، ما زال وراء الباب
ما زال .. في رتابةٍ يُنَقّل القدم
مثليَ لم ينم
كأنّه مثليَ، محكوم بلا أسباب !
***
أسندت ظهري للجدار
مُهدّماً.. و غصت في دوّامةٍ بلا قرار
و التهبتْ في جبهتي الأفكار
. . . . . . . . . . . . . .. . . . .
أماه! كم يحزنني !
أنكِ، من أجليَ في ليلٍ من العذاب
تبكين في صمتٍ متى يعود
من شغلهم إخوتيَ الأحباب
و تعجزين عن تناول الطعام
و مقعدي خالٍ.. فلا ضِحْكٌ.. و لا كلام
أماه! كم يؤلمني !
أنكِ تجهشين بالبكاء
إذا أتى يسألكم عنّيَ أصدقاء
لكنني.. أومن يا أُماه
أومن.. .. أن روعة الحياه
تولد في معتقلي
أومن أن زائري الأخير.. لن يكونْ
خفّاش ليلٍ.. مدلجاً، بلا عيون
لا بدّ.. أن يزورني النهار
و ينحني السجان في إنبهار
و يرتمي.. و يرتمي معتقلي
مهدماً.. لهيبهُ النهار !!

شمعة ضد الظلام


2008-01-15

مائة قصيدة للحرية محمود درويش


مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مُهمَلهْ
وعينان نائمتانْ

أعود ثلاثين عاماً

وخمسَ حروب

وأشهد أن الزمانْ

يخبئ لي سنبلهْ

يغنّي المغنّي

عن النار والغرباء

وكان المساء مساء

وكان المغّني يُغَنّي

ويستجوبونه :

لماذا تغّني ؟

يردُّ عليهم :

لأنُي أُغنّي

وقد فتَّشوا صدرَهُ

فلم يجدوا غير قلبهْ

وقد فتشوا قلبَهُ

فلم يجدوا غير شعبهْ

وقد فتَّشوا صوتَهُ

فلم يجدوا غير حزنهْ

وقد فتَّشوا حزنَهُ

فلم يجدوا غير سجنهْ

وقد فتَّشوا سجنَهْ

فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود



(من ديوان "أعراس" 1977)